د. رامي العزب – استشاري جراحة الكلى والمسالك البولية
يعاني كثير من الأردنيين بزيادة متواترة من سرطانات المثانة حيث تدل أرقام السجل الوطني على احتلال هذا المرض المرتبة الثالثة عند الرجال متفوقا على سرطان البروستات؛ فما هو هذا المرض من حيث: عوامل الخطر، الأعراض، سبل العلاج، تأثيره على حياة المصابين والضغط الذي يلقيه على النظام الصحي بشكل عام؟
أهم عوامل الخطر هو التدخين ثم التدخين ثم التدخين (وهذا يشمل الأرجلة)؛ هذا الوباء الذي دخل كل بيت ومكان عمل وتجمع اجتماعي؛ فالمدخنون يعانون بنسبة تصل إلى أربعة أضعاف مقارنة بالآخرين وعلاجهم أيضا له كلف صحية ومادية مضاعفة، ومن الجدير بالذكر أننا نحتاج لسنوات حتى يبدأ المرض بالزيادة عند المدخنين وسنوات أخرى بعد إيقاف التدخين حتى يزول الخطر مما يعني أن أمواج سرطانات المثانة في طريقها إلينا وقد بدأنا بمشاهدة مقدمة هذه العاصفة، ومن الملاحظ في هذا الخصوص انخفاض في أعمار المصابين سنة بعد سنة. عوامل الخطر الأخرى هي التعرض للأبخرة الصناعية وخصوصا تلك التي تنتج عن الأصبغة.
القصة المعتادة هي وجود بيلة دموية (Hematuria) إما ظاهرة يلاحظها المريض أو مخفية يتم كشفها عن طريق التحاليل وهنا فمن المؤسف أن كثيرا من الأطباء يهملون هذا العرض أو يقومون بعلاجه بالمضادات الحيوية أو غيرها مما يتسبب بتأخير تشخيص المريض وربما استفحاله، فلا يوجد أي خلاف في مجتمع أطباء المسالك في أن هذه الحالة تستدعي إجراء تنظير المثانة دون تردد أو تأخير. تنظير المثانة أصبح سهلا للغاية يتم إجراؤه وخروج المريض في نفس اليوم تحت تخدير موضعي أو عام (حسب سياسة المؤسسة) ويفضل إجراء استئصال السرطان بالكامل حين اكتشافه في نفس الجلسة، ويجدر بالذكر أن تقييم السرطان من حيث العدائية ومرحلته يعتمد على استئصاله بشكل كامل.
المثانة هي المكان الأكثر إصابة في بطانة الجهاز البولي وهذا يعني احتمالية إصابة أماكن أخرى كالحالب وحوض الكلية بالسرطان، وعلى الطبيب المعالج تقييم كامل الجهاز البولي لنفي وجود أكثر من موقع إصابة.
أما عن طرق العلاج فتتناسب مع مرحلة المرض Stage) – عمق السرطان في جدار المثانة)، عدد الإصابات في المثانة، انتشاره في الحوض أو وجود انتقالات بعيدة غالبا في الرئتين والكبد؛ ففي حالة اكتشاف المرض في المثانة فيجب استئصاله بواسطة المنظار بشكل كاف وإعطاء أدوية منشطة للمناعة أو علاج كيماوي داخل المثانة في حالات خاصة للتقليل من رجوع المرض أو تقدمه.
المشكلة أن المرض يعود للظهور باستمرار حتى بعد استئصاله بسبب تعرض كامل بطانة المثانة للمسرطنات الموجودة في التدخين ولذا فإن المريض بحاجة إلى إجراء إعادة للتنظير وفق برنامج محدد يمتد على أكثر من خمس سنوات طوال مما يزيد من كلفة علاج هذا المرض على المريض وعلى النظام الصحي بشكل هائل.
انتشار المرض إلى طبقات المثانة العضلية وما بعدها يعني تقدم المرض واستفحاله مما يستدعي تصعيد أساليب العلاج وبشكل درامي يحتاج فيها المريض إلى تلقى العلاجات الكيماوية ومن ثم إجراء العملية الأكبر في جراحة الكلى والمسالك البولية وهي استئصال المثانة بشكل جذري واستبدالها بتحويل مجرى البول إلى الخارج وهذا بحد ذاته له كلف صحية هائلة وتأثيرات لا مجال لذكرها هنا. وسيء الحظ من انتشر مرضه إلى أماكن بعيدة في الجسم حيث يحتاج إلى علاجات متقدمة كالعلاج الكيماوي أو المناعي وكثير من هذه العلاجات مكلف جدا وغير متوفر في البلدان الفقيرة.
الهدف من مقالتي ليس إعطاء محاضرة أو نشر معلومات معقدة وإنما إرسال تحذير واضح إلى المدخنين أن هذا السرطان العدائي يعمل بالسر حتى يعلن عن وجوده بقسوة فيغير حياتكم ويؤثر على كل ما فيها فبمجرد إرساله للتحذير الأهم وهو وجود الدم في البول يصبح المريض زائرا دائما للمستشفيات وغرف العمليات مدى الحياة؛ والرسالة الأخرى لزملائنا أينما كانوا بعدم إهمال رسائل التحذير تلك وخصوصاً البيلة الدموية أو الأعراض التحريشية وعدم تجميل صورة هي في واقعها مؤذية.
مستشارك الطبي أينما كنت
مجلة طبية متخصصة في نشر المقالات الطبية المفيدة لصحتكم ولقاءات الحصرية مع أفضل أطباء الأردن